فاشتغل بالطلاء وترك شرب الدواء.. فأزال ما بظاهره..
ولم يزل ما بباطنه.. وأصل ما على ظاهره مما فى باطنه.. فلا يزال جربه يزداد أبدا
مما فى باطنه.. فكذلك الخبائث إذا كانت كامنة فى القلب يظهر أثرها على الجوارح.
قالوا: وعينا
هذا .. فما الثالثة؟
قال: الثالثة
من علموا هذه الأخلاق.. وعلموا أنها مذمومة من وجه الشرع إلا أنهم لعجبهم بأنفسهم
يظنون أنهم منفكون عنها.. وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بذلك.. وإنما يبتلى
به العوام دون من بلغ مبلغهم فى العلم.. فأما هم فإنهم أعظم عند الله من أن
يبتليهم..
وبهذا
الاعتقاد تسلل إليهم الشيطان، فظهرت عليهم مخايل الكبر والرياسة.. وطلبوا العلو
والشرف.. ولبسوا على أنفسهم بأن القصد من ذلك هو عز الدين، وإظهار شرف العلم..
ثم لبسوا على
أنفسهم بأن أطلقوا لسان فى الحسد فى أقرانهم، أو فيمن رد عليهم شيئا من كلامهم، وقالوا:
إنما هو غضب للحق، ورد على المبطل فى عدوانه وظلمه.. وهذ مغرور.. فإنه لو طعن في
غيره من العلماء من أقرانه ربما لم يغضب، بل ربما يفرح، وإن أظهر الغضب عند الناس
بأنه يحبه.. وربما يظهر العلم ويقول: غرضى به أن أفيد الخلق.. وهو هراء لأنه لو
كان غرضه صلاح الخلق لأحب صلاحهم على يد غيره ممن هو مثله أو فوقه.
وربما يدخل
على السلطان ويتودد إليه ويثنى عليه.. فإذا سئل عن ذلك قال: إنما غرضى أن أنفع
المسلمين.. وأن أرفع عنهم الضرر.. وهو مغرور. ولو كان غرضه ذلك فرح به إذا جرى على
يد غيره، ولو رأى من هو مثله عند السلطان يشفع فى أحد يغضب.. وربما أخذ من أموالهم
فإن خطر بباله أنه حرام قال له الشيطان هذا مال لا مالك له وهو لمصالح المسلمين
وأنت إمام المسلمين وعالمهم وبك قوام الدين..