قال: الرابعة
من أحكموا العلم.. وطهروا الجوارح، وزينوها بالطاعات.. واجتنبوا ظاهر المعاصى..
وتفقدوا أخلاق النفس وصفات القلب من الرياء والحسد والكبر والحقد وطلب العلو..
وجاهدوا أنفسكم فى التبرى منها، وقلعوا من القلب منابتها الجلية القوية.. ولكنهم
مغرورون إذ بقى فى زوايا القلب بقايا من خفايا مكايد الشيطان.. خبايا خدع النفس ما
دق وغمض.. فلم يفطنوا لها.. وأهملوها..
ومثالهم في
حالهم هذه كمثل من يريد تنقية الزرع من الحشيش فدار عليه.. وفتش عن كل حشيش
فقلعه.. إلا أنه لم يفتش عما لم يخرج رأسه بعد من تحت الأرض وظن أن الكل قد ظهر
وبرز فلما غفل عنها ظهرت وأفسدت عليه الزرع. وهؤلاء إن غيروا تغيروا.. وربما تركوا
مخالطة الخلق استكبارا.. وربما نظروا إليهم بعين الحقارة.. وربما يجتهد بعضهم فى
تحسين نظمه لئلا ينظر إليه بعين الركاكة..
قالوا: وعينا
هذا .. فما الخامسة؟
قال: الخامسة
من تركوا المهم من العلوم.. واقتصروا على علوم الفتاوى فى الحكومات والخصومات
وتفصيل المعاملات الدنيوية الجارية بين الخلق لمصالح المعايش.. وربما ضيعوا مع ذلك
علم الأعمال الظاهرة والباطنة، ولم يتفقدوا الجوارح.. ولم يحرسوا اللسان من الغيبة،
والبطن عن الحرام، والرجل عن السعى إلى السلاطين.. وكذلك سائر الجوارح.. ولم
يحرسوا قلوبهم عن الكبر والرياء والحسد وسائر المهلكات..
وهؤلاء
مغرورون من وجهين: احدهما: من حيث العمل، ومثالهم في ذلك كمثل المريض الذى تعلم
الدواء من الحكماء ولم يعلمه أو يعمله وهؤلاء مشرفون على الهلاك حيث أنهم تركوا
تزكية أنفسهم وتخليتها.. فاشتغلوا بكتاب الديات والدعاوى والظهار واللعان.. وضيعوا
أعمارهم فيها..