وترتكب
نفس جريمة المشركين عندما راحوا يتهمون الله بأنه سبب جرائمهم، كما قال تعالى: ﴿
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا
آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام: 148]، وقد رد الله عليهم
بقوله: ﴿ قُلْ هَلْ
عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 148]
ثم نظر
إلي بغضب، وهو يقول: انظر كيف احتج المشركون بالقدر على شركهم، ولو كان احتجاجهم
مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه..
أردت
أن أجيبه، لكنه راح يقول لي بكل عنف: ألم تسمع قوله تعالى: ﴿رُسُلًا
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ
بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]، فلو
كان الاحتجاج بالقدر سائغاً لما انقطعت الحجة بإرسال الرسل، بل كان إرسال الرسل لغوا،
لا قيمة له في الواقع.
ولو
كان الاحتجاج بالقدر صحيحا، لاتهم المشركون يوم القيامة ربهم، ولم يتهموا أنفسهم،
ألم تسمع حكاية الله تعالى لقولهم: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا
شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا
فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: 106، 107]؟
ألم
تسمع قولهم، وهم يصيحون في دركات الجحيم: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ
نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، وقد رد الله
تعالى عليهم بقوله: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ
السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 11]
لست
أدري كيف أتيحت لي فرصة للحديث بعد أن رأيته يمسك كأس ماء ليشرب، وقلت: سيدي
القاضي مع احترامي الشديد لك.. لكني لم أردد عليه إلا ما