وهنا
زاد غضب القاضي حدة، وراح يقول لي: لم تقطع الحديث.. ألم تسمع تتمته.. لقد قال a
بعد ذلك: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء
لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)، وقد أثبت
بذلك أن القدر ليس لازما.. بل نحن الذين نختار ما نسميه قدرا لنا.
قلت:
لكني سمعت رسول الله a وهو يقول في موعظته البليغة لابن عباس: (واعلم أنّ
الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو
اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام،
وجفّت الصّحف)[2]
وقال
في نصيحة أخرى: (المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ
خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنّي
فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل، فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان)[3]
ألا
ترى أن رسول الله a دعانا إلى التسليم لقدر الله في الأمور التي لا
نطيق دفعها، وقد حصل لي ما لم يكن بالحسبان.
قال
القاضي: إن ما تذكره من التبريرات التي أسأت بها فهم حديث رسول الله a
هي التي أوقعتنا في كل المصائب، حتى صرنا نرمي كل شيء على الله، ونعفي أنفسنا من
كل مسؤولية..
[1]
رواه ابن عدى (3/212)، والحاكم (1/669 رقم 1813) والخطيب (8/453)
[2]
الترمذي (2516) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (1/ 293، 303)