قلت:
كيف تنتظرني، وأنا لم آت هذه المدينة إلا بغتة.. ولم يكن في بالي زيارتها.
قال:
نعم أنت أتيتها بغتة.. لكن لطف الله ومقاديره العجيبة هي التي حركتك من غير أن
تشعر، ألم تسمع قول يوسف عليه السلام مخاطبا والده بعد تلك الأحداث العجيبة التي
مر بها: ﴿ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا
رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ
بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ
إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
﴾ [يوسف: 100]
قلت:
بلى.. فما فيها من العلم المرتبط بأسرار الأقدار؟
قال:
لو أن يوسف عليه السلام كان من أولئك المتحررين الذين يتصورون أن الأمر بأيديهم لا
بيد الله، لنسبوا نجاحهم لأنفسهم، ولتصوروا أنهم بقدرتهم حققوا ما حققوه من
مكاسب.. لكن يوسف عليه السلام لم يفعل ذلك.
قلت:
فهل تراه من الجبرية الذي يزعمون أنه لا مجال لحرية الإنسان؟
قال:
معاذ الله أن يقع نبي الله في ذلك.. وكيف يقول ذلك، وهو الذي نسب جريمة إخوته
إليهم، فقال: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ
أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: 89]؟
قلت:
لكنه نسب ما حصل له من فضل إلى الله، فقال: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ
الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ [يوسف: 101]
قال:
لأن الأمر كذلك..
قلت:
لم أفهم..
قال:
الأقدار مثل الأمطار.. تنزل على الورود؛ فيعبق الجو بأريجها العطر، وتنزل على
المستنقعات، فتزكم الأنوف من روائحها النتنة.