قال:
أجل.. فالتطوريون تصوروا أن الخرافات التي سرت للمعلومات الكونية لأهل العصور
السابقة، سرى مثلها في المعتقدات، ولذلك راح ينكرونها، وليس لهم من دليل على ذلك
سوى تلك الخرافات التي ردوها، وكان لهم الحق في ردها.
قلت:
لم أفهم.. هل لك أن توضح لي ذلك بمثال.
قال:
أرأيت لو أن شخصا استطاع أن يثبت لدى القضاء بأن لديه بعض الحقوق المالية على شخص
آخر، وأثبت له القضاء صحة دعواه، وكلف المدعى عليه بأن يرد له حقوقه التي طلبها ..
هل يمكن للمدعي بسبب تلك الدعوى أن يطلب حقوقا أخرى من غير إثبات، معتبرا أن نجاح
دعواه السابقة كافية لإثبات دعواه اللاحقة؟
قلت: كلا
.. والقاضي الذي يحكم بذلك، لا شك أنه متهم؛ فكل جريمة دليلها الخاص المثبت لها.
قال:
لقد قام التطوريون بنفس خطأ أو جريمة ذلك المدعي.. ذلك أنهم راحوا يستدلون بما وقع
فيه أهل القرون السالفة من خرافات على فساد كل معتقداتهم، حتى معتقداتهم في الله
نفسها.
قلت:
صدقت.. فقد انتشر الإلحاد بعد الثورة الفرنسية، ولم يكن لهم من دليل سوى تلك
الخرافات التي كانت تؤمن بها الكنيسة أو يؤمن بها رجال الدين.
قال:
وبذلك بدأت الحرب على الدين.. مع أنه كان يمكن أن توجه للخرافات المرتبطة بالدين..
قلت:
صحيح.. ولكنهم يذكرون أن الدين شيء غيبي لا يمكن إثباته، ولذلك كان البحث فيه نوعا
من اللهو أو اللغو الذي يبعدهم عن الحياة.
قال:
وهنا كان خطؤهم الأكبر.. لأنهم حكموا على الدين من خلال أشخاصهم وأوهامهم وفهومهم،
وليس بحسب ما هو عليه في الواقع.