ما
إن وصل من حديثه إلى هذا الموضع حتى غاب عني هو الآخر، بل تلاشى، وحل بدله شخص آخر
ممتلئ جمالا، وتنبعث منه روائح طيبة، ما إن رأيته حتى توهمت أنه يوسف عليه السلام،
وكدت أقول ما قال النسوة عنه: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ
كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31]
قلت،
وأنا مندهش مما أرى: من أنت.. هل أنت من ملائكة الله، أم أحد النبيين أو الصديقين
والصالحين؟
قال:
بل أنا صديقك فلان.
قلت:
لم أرك في حياتي بهذا الجمال أبدا.. بل كان الكل يصفونك بالدمامة، ويعيرونك بها.
قال:
كانوا ينظرون إلى جسدي.. والذي لم يكن سوى قناع ابتلاني الله به، وابتلاهم به..
لنكشف من خلاله عن حقائقنا.
قلت:
لكني كنت أراك راضيا، بل كنت دائم البشر والابتسامة.
قال:
لأني لم أكن أنظر إلى جسدي، وإنما كنت أنظر إلى حقيقتي، وأحمد الله تعالى على أن
زين نفسي بالفضائل.. أما جسدي فكنت أراه كما أرى سائر الأشياء، مجرد واجهة ألبسها
لمدة محدودة، ثم سرعان ما أتركها.
قلت:
صدقت.. فالأخلاق هي الصورة الحقيقية للإنسان.. وأما الجسد فليس سوى قناع عن تلك
الحقيقة.
قال:
لا أستطيع مهما قلت أن أصف نعم الله علي.. مذ دهستني تلك السيارة.
قلت:
ألم تشعر بألم الدهس؟
قال:
وكيف أشعر به.. وقد كتبني الله بفضله من الشهداء، ألم تسمع قوله a، وهو يصف ميتتهم.. فقد قال: (ما
يجد الشهيد من مس القتل، إلا كما يجد أحدكم