ولعل خلو هذه الأناجيل عن الدليل هو الذي دفع يوحنا،
أو كاتب إنجيل يوحنا لكتابة إنجيل عن لاهوت المسيح، فكتب ما لم يكتبه الآخرون،
وجاءت كتابته مشبعة بالغموض والفلسفة الغريبة عن بيئة المسيح البسيطة التي صحبه
بها العوام من أتباعه[1].
قلت: فأنت تستدل باختلاف مقدمة إنجيل يوحنا عن سائر
مقدمات الأناجيل على اختلافه عنها.
قال: ليست المقدمة وحدها.. لقد كانت المقدمة هي
الإعلان عن المقصد الذي قصده يوحنا من إنجيله.. والذي أعلن عنه بعد ذلك بكل صراحة
بقوله :( وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله )(يوحنا:20 / 3)
بعد هذا نرى أن أشياء كثيرة يخالف بها هذا الإنجيل
سائر الأناجيل:
فلا توجد في هذا الإنجيل حادثة التجلي: أي تغير هيئة
المسيح على الجبل، لأن المجد الثابت والمتواصل للمسيح الأرضي لا يترك مجالاً لمثل
هذا الأمر.
وفيه إشارات لكون المسيح كلي العلم، ولكون قدرة
المسيح غير البارزة، ولكن الموجودة الكامنة، قدرة لا حد لها.. بل إن فيه تصويرا
للمسيح على أنه لا يعتريه التعب ولا الجوع ولا العطش، وفيه عرضٌ للمسيح باعتباره
شخصا ذا سيطرة وتسيير كاملين ومستديمين لكل ما يفعله وما يحصل له حتى موته.
[1] ينبه
ديدات إلى أن هذا النص قد انتحله كاتب الإنجيل من فيلون الإسكندراني( ت40م)، وأنه
بتركيباته الفلسفية غريب عن بيئة المسيح وبساطة أقواله وعامية تلاميذه، وخاصة
يوحنا الذي يصفه سفر أعمال الرسل بأنه عامي عديم العلم، فيقول:« فلما رأوا مجاهرة
بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا )( أعمال 4/13)
وفيلون
الإسكندراني ( 20 ق. م ـ 40 م ) يهودي عاش في العصر الهلنستى بالإسكندرية، وهو
فيلسوف ومفكر كان متأثراً بالفلسفة اليونانية، فقد كان يعتبر أن العقل أو اللوجوس
هو الذي صدر عنه وجود كل المخلوقات. وكان يكني هذا ( اللوجوس ) بقوله ( الكلمة )
ومن المعروف أن يوحنا كتب إنجيله بعد وفاة ( فيلون ) واستعار منه ( مصطلح الكلمة)