وهو ينفرد بالتصريح باتحاد الأب
والابن حيث يقول:( أنا والأب واحد )(يوحنا:10/30)، ويقول:( كل من رآني فقد رأى
الأب) (يوحنا:14/9)
قلت: وسائر الأناجيل؟
قال: في الأناجيل الثلاثة المتشابهة.. أي أناجيل متى
ومرقس ولوقا يرى المسيح محدوداً ضمن حدود حياته الأرضية ومنصبه الرسالي.. فهي
تعبِّر عما قاله المسيح وما فعله في حين أن إنجيل يوحنا هو تفسير لما يمثله
المسيح، فهو يعبِّر عن فهم المعنى الألوهي للمسيح، ذلك الفهم والتصور الذي تطور
ونما في الدوائر المسيحية في نهاية القرن الميلادي الأول.
قلت: فكيف تفسر هذا الاختلاف؟
قال: إن الذي يظهر لي كما ظهر لباحثين كثيرين.. وهو
ما يدل عليه واقع الدعوة للمسيحية أنه حصل خلال ستين عاماً بعد وفاة المسيح أن لغة
البنوّة لله، أي عبارة (ابن الله) التي يمتلئ بها الكتاب المقدس نقلت من تربة
لتربة أخرى.. نقلت من تربة الفكر اليهودي إلى تربة جديدة هي تربة العالم الإغريقي
الروماني وما يحمله من وثنية.
قلت: وما سر هذا التحول؟
قال: هو ما ذكرناه من الاهتمام بانتشار الدين والذي
زاحم الاهتمام بصفائه.. لقد كان إنجيل يوحنا يعبر عن رغبات المتدينين الجدد
الممتلئين بالوثنية.
ولهذا كان الترحيب والتهليل لفكرة المسيح إلهاً
استجابة طبيعية لجماعة تؤمن بإله يُعتقد فيه أن من شأنه أنه يكشف عن نفسه للإنسان
ويعرِّف نفسه للإنسان.. ومن هنا نجد إنجيل يوحنا يحدثنا عن الابن الوحيد الذي أظهر
اللهَ وعرَّفَه فيقول:( الله لم يره أحد، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو
خبَّـر) (يوحنا:1 / 18).. ويخبرنا أيضاً أن الابن (خرج من عند الآب وأتى إلى
العالم )(يوحنا:16/ 28)
قلت: وعيت ما أردته من الوجه الأول.. فما الوجه
الثاني؟