قال: ولهذا سنترك كلمة البدء لنبحث
في دلالة ما ذكرت من أقوال تستدل بها على أزلية المسيح.
قلت: المنهج العلمي يقتضي هذا.
قال: ما المراد بقول بولس عن نفسه وأتباعه:( كما
اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين )(أفسس: 1/4).. فهل كان بولس ومن معه
من القديسين أزليين وآلهة كالمسيح؟
قلت: لا.. مراده من ذلك أن اختيار الله واصطفاءه له
قديم.
قال: أتقصد أنه أراد أن يقول:( اختارنا بقدره القديم
)، ولا يفيد أنهم وجدوا حينذاك.
قلت: أجل.. هذا ما ينبغي أن يفهم من قول بولس.
قال: وهذا ما ينبغي أن يفهم من قول يوحنا عن
المسيح.. فليس المقصود الوجود الحقيقي للمسيح كشخص، بل المقصود الوجود القدري
والاصطفائي.
وهذا الاصطفاء هو المجد الذي منحه الله المسيح، كما
في قوله :( والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون
العالم )(يوحنا 17/5)، وهو المجد الذي أعطاه لتلاميذه حين اصطفاهم واختارهم
للتلمذة كما الله اختاره للرسالة :( وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني )(يوحنا
17/22)
ومثله عرف إبراهيم المسيح قبل خلقه، لا بشخصه طبعاً،
لأنه لم يره قطعاً :( فقد رآني وابتهج بي )، فالرؤية مجازية، وهي رؤية المعرفة،
وإلا لزم النصارى أن يذكروا دليلاً على رؤية إبراهيم للابن الذي هو الأقنوم
الثاني.
قلت: فقول يوحنا على لسان المسيح أنه قال :( من قبل
أن يكون إبراهيم كنت أنا)(يوحنا 8/56-58)، ألا يدل على وجوده في الأزل؟
قال: لا.. وغاية ما يفيده النص إذا أخذ على ظاهره أن
للمسيح وجوداً أرضياً يعود إلى زمن إبراهيم، وزمن إبراهيم لا يعني الأزل.