وجوب قيام سوق
الجرح والتعديل في هذا الزمان، فقد أورد قوله a:
(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين)[1]
ثم عقب عليه
بقوله: (هذا الحديث أصل من أصول المنهج العلمي الإسلامي ، وقاعدة من أجل قواعده ، وأس من أبين أسسه ؛ ذلكم أنه يبين مهمة لا تنقطع ، ووظيفة لا تنفد ، ومسؤولية جسيمة ملقاة على كواهل عدول الأمة : من العلماء والأئمة .. هذه الوظيفة وهذه المهمة مبنية
على ما ورد في الحديث (ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)[2]
ثم راح ـ ليقرر
ما يريد ـ يتساءل: (كيف للمسلم أن يميز بين المبطل والمحق ؟ وكيف له أن يتميز له
المدعي من صاحب الحق ؟ وكيف له أن يدري على وجه السداد والتمام : الجاهل من العالم)
ثم أجاب على ذلك
بقوله: (لن يكون له قدرة على ما هو أدنى من ذلك - فضلا عن الوقوف على حقيقة ذلك -
إلا ضمن قواعد علم الجرح والتعديل .. هذا العلم الذي بدأت بواكير قواعده تُبنى
وتؤسس في عصر أصحاب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ثم تبلورت ، وازدهرت ، وتقعدت في عصر الفتنة ، كما ورد عن بعض
التابعين ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد ؛ فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا
رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)،
وكلمة ابن المبارك– في ذلك – عالية غالية ( لولا الإسناد لقال من شاء
ما شاء)
ثم بين أن هذا
العلم لم ينته بعصر الرواية، وإنما هو ممتد لكل زمان، فقال: (وهذا
[1]
ابن عدي (2/79) ، البيهقي (10/209) ، ابن عبد البر في التمهيد (1/59)
[2]
الجرح والتعديل -أصول وضوابط- ، للشيخ علي الحلبي.