العلم يحمله الخالف عن السالف ، ويتلقاه الطلاب عن الشيوخ ، ويأخذه الأبناء عن الآباء، ويتناوله الأحفاذ عن الأجداد : دائرة
متاكلمة الأطراف ، ومنهجا متنامي الحقائق ؛ حتى يكتمل في هذه الأمة دورها ، وينتشر
نورها . وليس – فقط – هذا العلم كما يتوهم المتوهمون هو علم فقط في الجيل الأول ، أو في العصر الأول ، أو أنه مقصور على كتب السنة، والحديث ، والأثر .. لا.. ولكنه
ممتد – كما ورد في الحديث – ( يحمل هذا العلم من كل خلف ) أي من كل جيل ، فهذه إشارة إلى الاستمرار ، والعلو ، والوصول ، وليس إلى الانقطاع ، وليس إلى الانفصال ، وليس إلى البتر.. ورحم الله من قال : (لولا حملة المحابر
لخطبت الزنادقة على المنابر)
هذا نص من نصوص
كثيرة نراها في الكتب والمواقع تدعو إلى إحياء فن الجرح والتعديل، أو الجرح
والتجريح ليميز المستنون من المبتدعين، ودعاة الهداية من دعاة الضلالة.
وهو صواب من حيث
المفاهيم، وإن لم يكن صوابا من حيث المصاديق، لأنهم راحوا إلى كل داعية هداية
ووحدة .. وإلى كل حريص على الأمة.. يرمونه بما شاءت لهم أهواؤهم من أصناف التضليل
والتبديع والتكفير.. بل والرمي في جهنم..
ونحن لا نجاريهم
في كل ذلك.. ولذلك فإن الأعلام الذين سنتحدث عنهم في هذه السلسلة لا نزعم أنهم
عارون من كل مكرمة، ولا خالون من كل منقبة.. بل نقر أن لهم مكارم ومناقب.. كما نقر
ـ متأسفين ـ بأن لهم معايب ومثالب.. وعندما نحذر من عيوبهم ومثالبهم لا نحذر منها
رغبة منا في نشر الفضائح.. وإنما نفعل ذلك لأجل بقاء الدين صافيا نقيا بعيدا عن
الدجل، فالدين عندنا أهم من الرجال.
انطلاقا من هذا
الهدف الذي نراه، تحاول هذه السلسلة التعرف على كبار أعلام السلفية وأئمتهم الذين
كان لهم الأثر فيما انتهجوه من منهج، وتبنوه من أفكار.