وفي هذه الرواية
نلاحظ كيف كانت عائشة تعرض الروايات التي كانت تنتشر في عهدها على القرآن الكريم،
لأنه يستحيل أن تعارض السنة القرآن.
ولهذا كان موقف
السلفية شديدا على عائشة في هذه الناحية، ويفضلون أبا هريرة وأمثاله عليها، وقد
قال ابن خزيمة الذي يلقبونه [إمام الأئمة] ردا عليها: (هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت
بها في وقت غضب، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها.. ولكن
قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها) [2]
ولم يكن الإنكار
على أبي هريرة خاصا بعمر وعائشة، بل شمل الإنكار كثيرا من الصحابة السابقين، ومنهم
الزبير بن العوام الذي قال واصفا روايته للحديث: (صدق كذب، صدق كذب)، فسأله ابنه
عن معنى كلامه؟ فقال: (أمّا أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله a فلا شكّ، ولكن منها ما وضعه على مواضعه، ومنها ما
لم يضعه على مواضعه)[3]
وهكذا أنكر
الحنفية أحاديثه التي ينفرد بها، ولم يأخذوا بها، بل قدموا عليها القياس، مع العلم
أنه لا اجتهاد في موضع نص، وقد نقل محمّد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة - عن أبي
حنيفة قوله: (أُقلّد من كان من القضاة من الصحابة: كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ،
والعبادلة الثلاثة، ولا أستجيز خلافهم برأيي، إلاّ ثلاثة نفر)، وفي رواية: (أُقلّد
جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأي إلاّ ثلاثة نفر: أنس بن مالك، وأبو هريرة،