هل رأيت ـ أيها المريد الصادق ـ
تأثير تلك المواقف المتشددة في مصير صاحبها.. فلا تستهن بذلك، ولا تتوهم أن ذلك
مخالف للعدالة؛ فلا يقول ذلك إلا من لا يعرف العدالة.
فأول الجرائم التي ارتكبها ذلك
المتألي على الله، المحتقر لأخيه ادعاؤه أنه الديان، وأنه من يملك المغفرة والرحمة،
والجنة والنار، وبذلك يكون قد انتحل منصبا لا يستحقه، وليس أهلا له، بل جعل نفسه
شريكا لله تعالى.
وثاني الجرائم هو النظر إلى أخيه
بعين الاتهام، لا بعين الرحمة، ولو أنه نظر إليه باعتباره جاهلا يحتاج إلى تعليم،
وعاصيا يحتاج إلى دعوة، ومريضا يحتاج إلى طبيب، لما وقف منه ذلك الموقف.
وثالث الجرائم وأخطرها هو أنه
أعطى صورة سيئة للدين والتقوى والصلاح، تجعل النفوس تنفر منها.. فالفطرة الإنسانية
مجبولة على القبول من أصحاب اللين والرفق، والنفور من التشدد والمتشددين، ولهذا
دعا الله تعالى موسى عليه السلام إلى التعامل باللين مع فرعون، فقال: ﴿فَقُولَا
لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]
وقد روي في الحديث أن أعرابيا بال
في المسجد، فقام أصحاب رسول الله a ليقعوا فيه.. لكن رسول الله a أدرك حاله من الجهل، وأدرك أنه ـ في ذلك الحين ـ كان في حالة خاصة..
ولذلك عالجه بما يناسب حاله.. فعالج جهله بالتعليم.. وعالج الحالة الخاصة التي كان
عليها بتأخيره حتى يفرغ من بوله، ولو كان في المسجد، لأن مفسدة قطعه من بوله أعظم
من مفسدة ما يفعل..
لذلك بدأ رسول الله a بمعالجة حاله، ونهى أصحابه أن
يتعرضوا له، بل منعهم من