ولم يكن نوح عليه السلام وحده من
سخر به، بل إن الله تعالى أخبر أن المناوئين للأنبياء جميعا اتخذوا السخرية
والاستهزاء أسلوبهم في التعامل معهم، وهو ما حرمهم من الاستفادة منهم، أو تقليب
النظر فيما يدعونهم إليه، قال تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا
يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [يس: 30]،
وقال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا
يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الحجر:
10، 11]
وأخبر أن تلك السخرية هي التي
طبعت على قلوبهم، وحالت بينهم وبين رؤية الحق، أو اتباعه، قال تعالى:﴿
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ
خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ
السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ
أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾ [الحجر: 12 - 15]، وقال: ﴿وَإِذَا
رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ
رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا
عَلَيْهَا﴾ [الفرقان: 41، 42]
ولهذا كان جزاء الساخر والمستهزئ
أن يعامل بمثل معاملته، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا
قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ
إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ
فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 14، 15]
وقد ورد في الحديث قوله a: (إنّ المستهزئين بالنّاس يفتح
لأحدهم باب إلى الجنّة، فيقال لهم: هلمّ؛ فيجيء بكربه وغمّه، فإذا جاءه أغلق دونه
فلا يزال كذلك حتّى إنّ أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنّة فيقال له: هلمّ فلا
يأتيه من الإياس) ([343])