قال: لأنك إذا اضطررت إلى سؤال من لم يطلب منك أن تسأله قد
يشق عليك السؤال خوفا من الرد.. ولكنه إن فتح لك المجال بطلبه حل عقدة لسانك
بالسؤال.
قلت: لهذا ـ إذن ـ كان من رحمة الله ودلائل فضله أنه يحثنا
على دعائه وطلب الحاجات منه، واعدا إجابة من دعاه وتحقيق سؤله، قال تعالى:﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾
(غافر:60)
قال: ليس ذلك فقط، بل اعتبر عدم رفع الأيدي بالدعاء نوعا
من أنواع الكبر، فقال تعالى تتمة للآية التي ذكرتها:﴿ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر:60)
قلت: لم كان عدم رفع الدعاء كبرا؟
قال: لأنه ناتج عن إعظام النفس لنفسها، فلم تر الله كفؤا
لتسأله حاجاتها.
قلت: أتتجرأ النفوس على هذا؟
قال: وكيف لا تتجرأ.. والكبر ابن إبليس.. ألم يكن في وسع
إبليس أن يقول ما قال آدم u طالبا مغفرة الله؟
قلت: بلى..
قال: فما الذي منعه من ذلك.. متحملا غضب الله في سبيل ذلك؟
قلت: الكبر الكاذب الذي امتلأت به نفسه.
قال: فهكذا من يرث من إبليس كبره.
قلت: لقد أدركت الآن سر قول الشاعر الصالح:
لا تسألنَّ بُنيَّ آدم حاجة
ولإضافة
شطر
وسل الذي أبوابه لا تُحجَبُ
الله يغضب إن تركت سؤالَهُ
وبُنَيُّ آدم حين يُسأل يغضبُ
قال:
أجل.. فترك الدعاء نوع من أنواع الكبر، أو درك من دركات الغفلة، وكلاهما