لكن هؤلاء أبوا إلا النظر إلى قوتهم وحدها وأسبابهم وحدها،
فقالوا، وبإصرار عظيم: ﴿يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا
فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة:24)
حينذاك لم يجد موسى u حلا إلا الفرار إلى ربه،
فقال:﴿ رَبِّ
إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾
(المائدة:25)
واستجاب له ربه كما عوده، وطمأنه، قال تعالى:﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ
عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى
الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾
(المائدة:26)
صاح المرضى: الله ! الله !
وصحت معهم بلا شعور: الله ! الله !
قلت للمعلم: إن حياة موسى u في القرآن الكريم مثال عظيم
على التوجه إلى الله في جميع الساعات: ساعات الشدة، وساعات الرخاء.
قال: أجل.. فإنه بعد أن قتل نفسا، وهو الذي يملك شفافية
الإيمان وحساسيته، لم ينهد كيانه، ولم تخر قواه، بل قال متوجها لربه:﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
فَاغْفِرْ لِي ﴾ (القصص:16)، وما إن قالها حتى غفر له، بل نجاه من الغم
الذي يصيب المؤمنين بعد وقوعهم في الخطأ، قال تعالى يذكر فضله
عليه:﴿
وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ (طـه:40)
وحينذاك لم ينس الله الذي أجاب دعاءه، بل توجه إليه بقلبه
الرقيق شاكرا: ﴿ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً
لِلْمُجْرِمِينَ﴾ (القصص:17)
وعندما جاءه الرجل يسعى محذرا قائلا:﴿ يَا مُوسَى
إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ
النَّاصِحِينَ ﴾(القصص:20)، قدم موسى الأسباب وهو ملتجئ لرب الأسباب، قال تعالى:﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً
يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(القصص: