أما الأسباب فخروجه خائفا مترقبا محتاطا متخذا كل الأسباب
المادية، أما لجوؤه لرب الأسباب، فهو دعاؤه الله بأن ينجيه من القوم الظالمين، وهو
يؤمل في فضله:﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي
أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ (القصص:22)
وعندما ورد ماء مدين، ولم يكن الوقت كافيا لأي عمل يمكن أن
يكسب منه قوته توجه إلى ربه ـ كما يتوجه الصغير إلى والديه ـ قائلا:﴿
رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ (القصص:24)
وفي تلك اللحظة جاءه المدد الإلهي الذي لم يتخلف عنه لحظة
من اللحظات.
قلت: إن من قومي من يقرأون هذه الأحداث التي يقصها القرآن
الكريم كما يقرأون ألف ليلة وليلة، وهم يملأونها بالأساطير فوق ذلك.
قال: لا.. هذا تحريف خطير.. إن القرآن الكريم لا يرسم هذه
الصور، ولا يعيد الحياة في هذه الأحداث إلا ليزيل عنكم الأوهام التي تحول بينكم
وبين ربكم متلبسة ثياب العلم والحكمة.. فلا تتخذوا آيات الله هزؤا..
قلت: أهذا من ذاك؟
قال: بل هو أخطر من ذاك.. فالمستهزئ قد يتوب، أما هؤلاء
فتشغلهم غفلتهم وما زين لهم عن مد أيديهم لله بالتوبة.
وهم
المعارضة:
سرنا إلى القاعة التي يعالج فيها وهم المعارضة، فقرأت على
بابها مكتوبا: (هذا وهم ناشئ عن سوء الفهم للقدر، ولعلاقة الله بعباده، وعنه تنشأ
أوهام كثيرة تصور الله صورا لا تليق بجلاله وجماله ورحمته وحكمته)