قال: لا.. الغافلون اعتبروا هذا تناقضا، فقالوا: كيف يجيب
دعواتكم، وقد قدر المقادير وانتهى منها، وما سجل سيكون[1]؟
قلت: ألم ينتبهوا إلى أن الذي أخبر عن قدره هو الذي أمر
بدعائه؟
قال: هم يأخذون ببعض الكتاب، ويهجرون بعضه.
قلت: والمؤمنون المسلمون لله؟
قال: لا يسألون هذا السؤال، بل لا يخطر ببالهم، كما لا
يخطر ببال كل الناس ما يقوله الطبيب أو المهندس ما داما يتكلمان انطلاقا من
خبرتهما واختصاصهما.
قلت: ألهذا إذن يخبر a بأن البلاء ينفع مما نزل،
ومما لم ينزل، قال a: (لا يغنى حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن
البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان الى يوم
[1] ذكر الفخر الرازي ما
استدل به المتعلقون بهذا الوهم، ومما ذكره:
1. أن المطلوب
بالدعاء إن كان معلوم الوقوع عند الله تعالى كان واجب الوقوع، فلا حاجة إلى
الدعاء، وإن كان غير معلوم الوقوع كان ممتنع الوقوع، فلا حاجة أيضا إلى الدعاء.
2. أن حدوث
الحوادث في هذا العالم لا بد من انتهائها بالآخرة إلى المؤثر القديم الواجب لذاته،
وإلا لزم إما التسلسل، وإما الدور وإما وقوع الحادث من غير مؤثر وكل ذلك محال وإذا
ثبت وجوب إنتهائها بالآخرة إلى المؤثر القديم، فكل ما اقتضى ذلك المؤثر القديم
وجوده اقتضاء قديما أزليا كان واجب الوقوع، وكل ما لم يقتض المؤثر القديم وجوده
اقتضاء قديما أزليا كان ممتنع الوقوع، ولما ثبتت هذه الأمور في الأزل لم يكن
للدعاء أثر.
3. أن
الأقدار سابقة والأقضية متقدمة والدعاء لا يزيد فيها وتركه لا ينقص شيئا منها، فأي
فائدة في الدعاء،.
4. أنه
سبحانه علام الغيوب يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور، فأي حاجة بالداعي إلى
الدعاء؟
5. أن المطلوب
بالدعاء إن كان من مصالح العبد فالجواد المطلق لا يهمله وإن لم يكن من مصالحه لم
يجز.
6. أن أجل
مقامات الصديقين وأعلاها الرضا بقضاء الله تعالى والدعاء ينافي ذلك لأنه اشتغال
بالإلتماس وترجيح لمراد النفس على مراد الله تعالى وطلبه لحصة البشر.
7. أن الدعاء
يشبه الأمر والنهي وذلك من العبد في حق المولى الكريم الرحيم سوء أدب.