ضعفها وقوتها، وحقيقة ما استكن فيها من رواسب، لا تظهر إلا
بمثير !
وفي هذا التمحيص الذي يتولاه الله - سبحانه - بمداولة
الأيام بين الناس بين الشدة والرخاء، يعلم المؤمنون من أنفسهم ما لم يكونوا
يعلمونه قبل هذا المحك المرير:محك الأحداث والتجارب والمواقف العملية الواقعية.
فقد يظن الإنسان في نفسه القدرة والشجاعة والتجرد والخلاص
من الشح والحرص.. ثم إذا هو يكشف - على ضوء التجربة العملية، وفي مواجهة الأحداث
الواقعية - إن في نفسه عقابيل لم تمحص، وأنه لم يتهيأ لمثل هذا المستوى من الضغوط
! ومن الخير أن يعلم هذا من نفسه، ليعاود المحاولة في سبكها من جديد[1].
قلت: ألهذا كان الألم علاجا مشخصا للأدواء؟
قال: أجل.. وهو في ذلك كتلك المحاليل الكاشفة التي تميز
أنواع العناصر، ليتبين الأصيل من الدخيل، وتتميز الصحة عن المرض.
قلت: فما وجه كونه نعمة؟
قال: لا يمكن العلاج إلا بالتشخيص، فمن السهل ادعاء الصبر،
ومن الصعب التحقق به، فلذلك كان التمحيص مقدمة للتأديب.
نعمة التأديب:
قلت: فما نعمة التأديب؟
قال: هي التي أشار إليها قوله تعالى:﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ
مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ
لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (الانبياء:87)