سرت قليلا في
القاعة، فرأيت رجلين يتحاوران، وقد وضع أحدهما شيئا على أنفه يستره به.
قال الأول: ليس هذا
ميدان الورع يا أخي.. لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وفي أحسن صورة، وإن ما
تعرضت له من تشويه يستدعي إصلاحه، ولا حرج عليك في إصلاحه.. إنه مثل أي دواء
تتناوله.
قال الثاني: ولكني
أخشى أن أكون ممن يغيرون خلق الله.
قال الأول: لا تخف..
لقد خلقك الله بخلق سليم.. ولكن الحادثات أثرت فيه.. وقد أجاز لك الشرع أن تصلح ما
فسد.. ألم تسمع ما روي عن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم
الكلاب، فاتخذ أنفا من ورق، فأنتن عليه فأمره النبي a فاتخذ أنفا من ذهب، وفي رواية:(فأمره النبي a أن يتخذه من ذهب)[1]
قال الثاني: أأجاز
له النبي a أن يتخذ أنفا من ذهب؟
قال الأول: أجل..
لقد صح بهذا الحديث.
قال الثاني: ولكن
الذهب حرام للتزين.
قال الأول: صدقت..
والذهب هنا لم يستعمل للتزين، وإنما استعمل للإصلاح، وهو رخصة، والله يحب أن تؤتى
رخصه.
قال الثاني: أرأيت
لو أن قومنا وصلوا إلى اختراع مادة لا تتغير ولا تنتن.. أيبقى الذهب جائزا؟
قال الأول: هو رخصة
ذكرها النبي a.. والأصل بقاؤها.. ولكن مع ذلك، فالأولى هو التورع
بدليل ما ورد في الحديث.