وأخبر
تعالى أن
الغفلة عن أولية الإنسان هي السبب في جحوده وكبريائه، فقال تعالى:﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي
الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ (يّـس:78)، ولهذا صحح له هذا
الجهل بقوله تعالى:﴿
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ
خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ (يّـس:79)
ومثلما
جاءت الآيات الكثيرة تبين أولية الإنسان لتدل على أنه ليس قائما بذاته، بل هو قائم
بقيومية الله، جاء الحديث عن خلق الأشياء جميعا، بل جاء الحث على السير في الأرض
لاكتشاف مبدأ الخلق، ومن ثم اكتشاف أنها مخلوقة وليست قائمة بذاتها، قال تعالى:﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ
ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت:20)
ومن
هذا الباب جاءت أسماء الله تعالى التي نص عليها قوله تعالى:﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الحديد:3)
فالتأمل
في المعاني العميقة التي تحملها هذه الأسماء يلبس الأشياء جميعا ثوب العدم، ليبقى
الحق وحده هو المتفرد بالوجودالحقيقي.
يقول
سيد قطب مبينا عمق المعاني التي تدل عليها هذه الأسماء الحسنى:( وما يكاد يفيق من
تصور هذه الحقيقة الضخمة التي تملأ الكيان البشري وتفيض، حتى تطالعه حقيقة أخرى،
لعلها أضخم وأقوى. حقيقة أن لا كينونة لشيء في هذا الوجود على الحقيقة. فالكينونة
الواحدة الحقيقية هي لله وحده سبحانه ؛ ومن ثم فهي محيطة بكل شيء، عليمة بكل شيء ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ