ولأهمية هذا النوع من القراءة الكونية، ولعلاقته الوثيقة بالإيمان،
بل بأرفع درجات الإيمان يثني القرآن الكريم على المؤمنين الذين أمضوا حياتهم في
قراءة رسائل الله إليهم عبر مكوناته.
وأول
هؤلاء، وعلى رأسهم العارفون الذين يعبر عنهم القرآن الكريم بأولي الألباب[1]، وهم الذين خرجوا من ظواهر المكونات إلى بواطنها، ولم تحجبهم الصور
المزخرفة للمكونات عن الحروف المسجلة فيها.
ولعل
أعظم وصف قرآني لهم هو ما ورد في أواخر سورة آل عمران من قوله تعالى:﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً
وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
(آل عمران:191)
وقد
كان لهذه الآيات محل خاص من قلب رسول الله a كما تروي كتب السنة، فقد روي أن رسول اللّه a كان يقرأ هذه الآيات وما يليها من آخر سورة آل عمران إذا قام من
الليل لتهجده، قال ابن عباس: بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول اللّه a مع أهلة ساعة ثم رقد، فلما
كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال:) إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ
[1] نرى أن
القرآن الكريم يعبر عن العارفين بمصطلح أولي الألباب.