وفي نفس الوقت ورد ما
يدل على أن هذه المقادير تنسخ وتبدل وتغير، كما قال تعالى:﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا
يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ
﴾ (الرعد:39)
وقد ورد في الأحاديث
الكثيرة الإخبار بمغالبة الأقدار المكتوبة، كقوله a:( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء،
ولا يزيد في العمر إلا البر)[1]، وورد في الحديث أن صلة الرحم تزيد في العمر[2]، وفي حديث آخر:( إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض)[3]
فما سر هذا الاختلاف؟
وهل تمحى المقادير، أم
هي ثابتة لا تتغير؟
وهل في مقدور الإنسان
الضعيف الهزيل أن يبدل مقادير الشقاوة مقادير سعادة؟
والجواب عن هذا ـ والله
أعلم ـ هو أن التأمل في النصوص الواردة في كتابة الله تعالى للمقادير ومحاولة
الجمع بينها تدل على أن هناك ثلاثة أنواع من الكتب: كتب كتبت فيها المقادير
الأبدية، وكتب كتبت فيها الأقدار المؤقتة، وكتب كتبت فيها سنن الكون وقوانينه،
وتفصيل ذلك وأدلته نعرفها في المباحث التالية:
1 ـ المقادير الأبدية:
وهي المقادير المستمدة
من علم الله وخبرته بالأشياء قبل وجودها، فالله تعالى ـ كما
[2] من الأحاديث الواردة في ذلك قوله r:( صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار يعمرن
الديار ويزدن في الاعمار) رواه أحمد والبيهقي.
وفي حديث آخر يقول رسول الله r:(
من سره أن يمد الله له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق
الله، وليصل رحمه) رواه أحمد وابن جرير وصححه، والخرائطي في مكارم الاخلاق
والطبراني في الأوسط والحاكم وابن النجار.