وهذه الكتب لا تغيير
فيها ولا تبديل، فهي كتب وصفية لما يحدث، أو تدبيرية لما يحدث، وهي مما استأثر
الله بعلمه، وقد يطلع على بعضه من شاء من خلقه كما سنرى.
وهذا الكتاب الحاوي
لهذه المقادير هو المقصود بقوله تعالى:﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد:39)، فأم الكتاب في اللغة تدل على الأصل الذي يرجع إليه،
فالعرب تسمي كل جامع أمراً أو مقدم لأمر ( أُمّاً)، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ
( أم الرأس)، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها ( أمّاً)
ولهذا سميت الفاتحة أم الكتاب، كما قال a عنها:( الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثانى)[1]
وسميت الآيات المحكمات
التي لا تغيير فيها ولا تبديل، والتي يرجع إليها عند الاشتباه أم الكتاب، كما قال
تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا
بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (آل عمران:7)، فالمراد بأم الكتاب هنا
أصله الذي يرجع إليه عند الإشتباه.
وهذا الكتاب هو المقصود
بـ (الإمام المبين) في قوله تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى
وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ
مُبِينٍ ﴾ (يّـس:12) أي جميع الكائنات
مكتوبة في كتاب مسطور مضبوط هو الإمام المبين.
والإمام في التعبير
الشرعي يراد به المتبوع والأصل الذي يرجع إليه غيره، كما قال تعالى:﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾ (القصص:41)، وقال