فهذا يختبر بالفقر وهذا يختبر بالغنى، وهذا يبتلى بالصحة، وهذا يبتلى بالمرض.
وهذا يعيش في الصحارى القاحلة أو في الأراضي المتجمدة، والآخر يعيش في السهول اليانعة، والجنان الوارفة.
وهذا يعمر إلى أن تمل الأيام مرآه، والآخر يختطف، فلا يكاد تبصره الحياة، ولا يكاد يبصرها.
وهذا يقبل عليه الخلق، بل يتفانون فيه، وهذا يعرضون عنه، بل يسارعون في أذاه.
ألا تحمل هذه الاختبارات المتناقضة علامات الجور والظلم؟
فكيف يستوي في الامتحان كل هؤلاء وحياتهم لم تستو؟
والجواب عن هذا له تفاصيله الخاصة في الفصل الثالث الذي نتعرف فيه على سر الحكم الإلهية في الأقدار المختلفة والتي قد تبدو متناقضة.
أما الجواب المرتبط بسر العدل، فنقول فيه بأن ما نراه مما نتوهمه تناقضا هو في الحقيقة منتهى العدالة والحكمة والرحمة الإلهية.
ولتقريب هذا المعنى نحاول أن نخرج لرؤية المباريات التي تقام للرياضات المختلفة، فتلك المباريات هي عبارة عن امتحانات لكفاءات القوى الجسدية.
فهل يعقل أن يكلف في تلك المباريات العداء الذي يباري الضباء في عدوه بملاكمة بطل العالم في الملاكمة، بل من هو دونه بكثير؟
وهل من العدل أن يكلف السباح الماهر بمسايفة من تمرن على المسايفة حتى صارت رياضته التي اختص فيها؟
لا يعقل هذا كما لا يعقل أن يختبر الطبيب في الهندسة، أو يختبر المهندس في التشريح.
ومثل هذا يقال في كل اختبارات الدنيا، فيستحيل أن يتساوى الخلق جميعا في اختبار واحد لتعدد مواهبهم وطاقاتهم.