ولذلك فإن الحديث
الشريف يدل على ارتباط الفتن بالخزائن، ثم إن جواب المكلف على أسئلة الفتن هو الذي
يحدد نوع الخزانة التي سيستمد منها درجته.
وهذه الآثار التي تعقب
نزول الفتن لا تتعلق فقط بالآثار الخارجية من الثواب والعقاب، بل ترتبط ـ قبل ذلك
ـ بتأثيرها على حقيقة الإنسان وجوهره، ثم إن حقيقته وجوهره هو الذي يحدد بعد ذلك
نوع الثواب والعقاب ـ عدلا من الله وحكمة ـ
وقد شبه a عرض الفتن على القلوب شيئا فشيئا بعرض عيدان الحصير، فقال:( تعرض
الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي
قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما
دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربدا[1] كالكوز مجخيا[2]، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه) [3]
فقد قسم رسول الله a في هذا الحديث القلوب التي هي محال نظر الله تعالى، ومحال امتحان
المكلفين عند عرض الفتن عليها إلى قسمين:
أما أولهمها، فهو القلب
الذي إذا عرضت عليه فتنة أشربها، كما يشرب الإسفنج الماء، فتنكت فيه نكتة سوداء،
فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس، وحينذاك يعرض له مرضان خطران:
أحدهما اشتباه المعروف
عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، وربما استحكم عليه هذا المرض حتى
يعتقد المعروف منكرا والمنكر معروفا.