ويقول الفيلسوف: لم يا
رب لم تجعلني في غياهب الجهل التي حميت بها ذلك الفلاح البسيط من التعرض لمقتك
وعقابك؟
إن هذه المسألة من أعقد
المسائل التي خيض فيها بعلم وبغير علم، والحديث عن عدالة الله في الجزاء يقتضي
المرور بها والحديث عما نراه متناسبا مع ما حاولنا فهمه من نصوص القرآن الكريم
والسنة المطهرة في هذا المجال.
والذي دعانا إلى
هذا هو ما أخبر به a من دخول الشبه من هذا الباب، كما ورد في الحديث أن رسول
الله a قال:( لا يزال أمر هذه الأمة موائما أو مقاربا ما لم
يتكلموا في الولدان والقدر) وفسر الراري (الولدان) بأنه أراد بهم أطفال المشركين) [1]
ففهم القدر، وعدالة
الله فيه يقتضي التعريج على هذه المسألة لنفي الشبه الكثيرة التي تحرف كمالات
عدالة الله.
* * *
وبداية ننبه إلى أن
جزاء الله كما نص عليه القرآن الكريم مرتبط بالقدرة على تحمل التكليف، ولذلك قال تعالى:﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ
رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ (الأنعام:131)
أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب لئلا يؤاخذ أحد بظلمه وهو
لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم، فلم نعذب أحدا إلا بعد إرسال الرسل إليهم.
وتحتمل الآية كذلك: إن
ربك لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر فيظلمهم بذلك،
واللّه غير ظلام لعبيده.
وهذا الوجه الثاني هو
الذي يبين علاقة العدالة بالجزاء في هذا الصنف من الخلق.
وهو ما دلت عليه النصوص
الكثيرة، كقوله تعالى:﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ