وقال جامعا
بينهما:﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ
جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ﴾ (الأنعام:160)
زيادة على هذا، فإن
النعيم الحقيقي الخالي من المنغصات يقتضي الخلود، فتذكر الفناء كاف في تنغيص أي
نعيم، وفي تكدير أي لذة، فلذلك تقتضي رحمة الله، أن ينعم المؤمنون نعيما خاليا من
الغصص، وهو لا يكون إلا مع الخلود.
يقول النورسي:( ان رحمة
خالق الكون وهو الرحمن الرحيم تدل على السعادة الأبدية، نعم ان التي جعلت النعمة
نعمة فعلاً وانقذتها من النقمة، ونجَّت الموجودات من نحيب الفراق الابدي.. هي
السعادة الخالدة ودار الخلود، وهي من شأن تلك الرحمة التي لا تحرم البشر منها، اذ
لو لم توهب تلك السعادة ودار الخلود التي هي رأس كل نعمة وغايتها ونتيجتها الأساس،
أي ان لم تبعث الدنيا بعد موتها بصورة (آخرة).. لتحولت جميع النِعَم الى نقم..
وهذا يستلزم إنكار الرحمة الإلهية المشهودة الظاهرة بداهة وبالضرورة في الكون،
والثابتة بشهادة جميع الكائنات والتي هي الحقيقة الثابتة الواضحة وضوحاً أسطع من
الشمس)[1]
أما الكافرون، فإن
التصور الخطير الذي يحملونه عن الكون كاف في تخليدهم في العذاب، وإلا لتساوى
الكافر مع المؤمن، وهو ما لا تقتضيه العدالة.
وهذا ما يشير إليه قوله
تعالى:﴿
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا
وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ (فاطر:36)، فقد علل تعالى خلودهم فيها
بكفرهم سواء بذكر وصفهم، أو بذكر القانون الإلهي الذي حكم عليهم بذلك.
يقول النورسي معللا سر
خلود الكفار في العذاب:( أيها الانسانُ! اِنّ فيك جهتين: جهةُ الايجاد والوجودِ
والخير والايجابية والفعل، والاخرى جهةُ التخريب والعدم والشر والسلبية
[1] الكلمة التاسعة والعشرون، وهي كلمة تخص بقاء
الروح والملائكة والحشر، النورسي.