فعلى اعتبار الجهة
الاولى (جهة الايجاد) فانك أقلُّ شأناً من النحلة والعصفور وأضعفُ من الذبابة
والعنكبوت. أما على اعتبار الجهة الثانية (جهة التخريب) فباستطاعتك ان تتجاوز
الأرضَ والجبال والسموات، وبوسعِكَ ان تحمل على عاتقك ما أشفقن منه فتكسبَ دائرةً
أوسعَ ومجالاً أفسح؛ لأنك عندما تقوم بالخير والايجاد فانك تعمل على سعةِ طاقتك
وبقدر جهدك وبمدى قوتك، أما اذا قمتَ بالإساءةِ والتخريب، فإن اساءتكَ تتجاوز
وتستشري، وان تخريبَك يعم وينتشر)[1]
ويضرب المثل على ذلك من
الواقع بأن الانسان يستطيع هدمَ بيتٍ في يوم واحد الاّ أنه لا يستطيع أن يشيّده في
مائة يوم.
ومثل ذلك الكفر، فهو
سيئة واحدة، ولكنها ( تُفضي الى تحقير جميع الكائنات وازدرائها واستهجانها، وتتضمن
أيضاً تزييف جميع الاسماء الإلهية الحسنى وإنكارها. وتتمخّض كذلك عن إهانة
الانسانية وترذيلها؛ ذلك لأن لهذه الموجودات مقاماً عالياً رفيعاً، ووظيفةً ذات
مغزى، حيث انها مكاتيب ربانية، ومرايا سبحانية، وموظفات مأمورات إلهية. فالكفر
فضـلاً عن إسقاطهِ تلك الموجودات من مرتبة التوظيف ومنزلة التسخير ومهمة العبودية،
فانه كذلك يُرديها الى درك العَبَث والمصادفة ولا يرى لها قيمةً ووزناً بما
يعتريها من زوالٍ وفراق يبدّلان ويفسّخان بتخريبهما وأضرارهما الموجودات الى مواد
فــانيـة تافهة عـقيــمة لا أهمية لها ولا جدوى منها)[2]
ولذلك كان هذا التخريب
العظيم لكل حقائق الكون مقتضيا للخلود في العذاب، يقول النورسي:( فالذين لايعرفون
هذا الرحمن الرحيم ولايسعون بالعبودية لحبّه، بل يضلون الى