تدبيره، فلم يتخذ
الله تعالى ـ كما يتخذ الملوك ـ حجابا بينه وبين عباده يرفعون إليه حاجاتهم أو
يتوسطون بينهم وبينه، ولهذا قال تعالى:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: 186)
لأن الوسيط لا بخرج
عن أحد ثلاث:
وسيط علم: وهو الذي
يخبر المتوسط له بما لا يعرفه، كما يقوم الحكام باتخاذ المخابرات والعيون لترصد
أحوال الرعية.
وهذا مستحيل على الله
تعالى، فهو تعالى يعلم السر وأخفى، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو
السميع البصير، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع
عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، وقد عرفنا طرفا من هذا في
الباب الأول.
وسيط عون: ويلجأ
إلى ذلك الحكام للعجز عن تدبير الرعية، فيدفعون ذلك إلى بطانة تعينهم ووزراء
يخولونهم مهام القيام بشؤون الرعية.
والله تعالى غني عن
كل ذلك، ولهذا أخبر تعالى عن عدم حاجته لهؤلاء الوسطاء، فقال تعالى عند ذكره عجائب الخلق في السموات والأرض:﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا
يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (البقرة: 255)، أي لا
يثقله ولا يُعجزه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير
لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء،
ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة
إليه.
وأخبر عن عجز الذين
اعتقد فيهم المشركون وسطاء لله، فقال تعالى:﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾ (الكهف:51)، أي هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من
دوني، عبيد أمثالكم لا يملكون