ولهذا ترد نسبة العباد
إلى الرحمن سواء من البشر، كما قال تعالى:﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً﴾ (الفرقان:63)، أو من
الملائكة، كما قال تعالى:﴿ وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ
إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ﴾
(الزخرف:19)
ودلالته على الذات تعني
شموليته لكل شيء، فكل شيء قائم بالله، ولهذا يربط القرآن الكريم كل المظاهر
برحمانية الله سواء ما كان منها من باب الرحمة الخالصة، كقوله تعالى:﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ
إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً﴾ (مريم:61)
أو من باب الرحمة
الممزوجة بالآلام على حسب ما تقتضيه الأسماء الحسنى والحكمة الإلهية، كما قال تعالى على لسان إبراهيم u:﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ
يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾
(مريم:45)
فقد ذكر إبراهيم u
الرحمن، ولم يقل الجبار ولا القهار، للدلالة على أن العذاب
لا يتنافى مع الرحمة الإلهية، كما لا يتنافى الكي أو الحقنة أو الدواء المر إذا
وضعت في مواضعها التي تقتضيها حكمة الجسم مع رحمة الطبيب.
ولذلك قال تعالى: ﴿
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ
عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ﴾ (يّـس:23)، فقد نسب إرادة الضر إلى الرحمن ليدل على أن هذا
الضرر في حقيقته رحمة، اقتضاه التدبير الإلهي.