ولهذا، فإن كل مقادير الله
تصب من بحر رحمة الله، ولكن صورها ومظاهرها قد تختلف بحسب ما تقتضيه الحكمة
الإلهية، وأسماء الله الحسنى، وهي مع هذا الاختلاف الذي قد يبدو متناقضا تتوحد على
رحمة الله.
* * *
قد يقال بعد هذا، أو
بعد قراءة ما سيأتي من مباحث: أليس في نشر مثل هذا الفكر الإرجائي خطرا على السلوك
الإسلامي الذي يستدعي الترهيب والتشديد سدا لذرائع الانحراف؟
أو لسنا بهذا نعطي
المنحرفين مبررا للانحراف، بل نوهمهم أن رحمة الله ستشملهم كما تشمل المتقين؟
والجواب على ذلك:
أن المؤمن يقدم كل ما ورد في النصوص على كل ما يرد في ذهنه من تحليلات ومخاوف، لأن
الله تعالى هو الذي أخبر عن صفاته وأفعاله ما ملأنا شعورا برحمته التي وسعت كل
شيء، ومن الخطر أن نصف الله تعالى بغير ما وصف به نفسه.
فالله تعالى يخاطب
المسرفين على أنفسهم بألوان الذنوب قائلا:﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر:53)، فالله تعالى عرف نفسه لهؤلاء المسرفين بكونه غفورا
رحيما، ومن الخطأ أن نعرفهم لهم بغير ما عرفهم به.
بل إن هذا التعريف
هو الذي يحرك القلوب للسير نحو الله، ويكبح الغرائز عن معارضة الرحيم الودود.
ومما يروى في هذا أن
مجوسياً استضاف إبراهيم الخليل u،
فقال: إن أسلمت