رفع أحدهما في الدرجات
العلى على صاحبه، فيقول: يا رب ما كان هذا في الدنيا بأكثر مني عبادة فرفعته عليَّ
في عليـين، فيقول الله سبحانه: إنه كان يسألني في الدنيا الدرجات العلى وأنت كنت
تسألني النجاة من النار، فأعطيت كل عبد سؤله.
وسر هذا أن القانط من
رحمة الله يعتقد في الله ما لا يليق به مما ينزه عنه، بينما من أحسن ظنه بالله،
وإن قصر في سلوكه، فإن ذلك التقصير لم يؤثر في حسن معرفته بربه، ولذلك قال علي
لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه:( يا هذا يأسك من رحمة الله أعظم من
ذنوبك)
ولهذا ورد الأمر بتحبيب
الله إلى عباده، وذلك لا يكون إلا بذكرفضله ورحمته، وقد أوحي الله تعالى إلى داود u:( أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى خلقي)، فقال:( يا رب، كيف أحببك
إلى خلقك؟)، قال:( اذكرني بالحسن الجميل واذكر آلائي وإحساني وذكرهم ذلك فإنهم لا
يعرفون مني إلا الجميل)
ويروى أنّ رجلاً من بني
إسرائيل كان يقنط الناس ويشدّد عليهم، فيقول الله تعالى يوم القيامة له:( اليوم
أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها)
* * *
قد يقال بعد هذا: فإن
رجع الأمر إلى استشعار الرحمة المحضة، فما محل ما ذكر في النصوص، وما تحدث عنه
العارفون من مقامات الخوف والخشية والحذر، أتلغى كل هذه المقامات، أم يعتقد قصورها
وضعفها وانحطاطها؟
فإن قيل بذلك، فإن الله
تعالى أخبر عن العارفين من عباده أنهم يخشونه، بل أخبر a عن نفسه أنه يخشى الله، كما قال a:( أما والله إني لاتقاكم لله، وأخشاكم له) [1]