والجواب عن ذلك هو أن
المؤمن الكامل هو الذي يؤمن بالعزيز الرحيم، فكما أن لله صفات الجمال، فله صفات
الجلال، وفرق كبير بين من يعرف العزيز الرحيم، وبين من يعرف الرحيم مجردا من العزة
والكبرياء والجلال.
بل إن إدراك المؤمن
لعزة الله المقترنة برحمته، أو رحمته المقترنه بعزته يزيد من إدراكه وتلذذه
واستشعاره لرحمة الله، لأن رحمة العزيز كمال، ورحمة الذليل الضعيف القاصر ضعف، قد
يستحسن لبعض البشر، ولا يستحسن لله.
ولذلك ورد في
القرآن الكريم وصف المؤمنين برجاء الرحمة الذي يكبح بمكابح الهيبة والخشية
والخشوع، كما قال تعالى:﴿ أَمَّنْ
هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو
رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر:9)
فهذه الآية الكريمة
جمعت بين المعرفتين: معرفة العزة المقتضية للحذر، ومعرفة الرحمة المقتضية للرجاء،
وأشارت إلى أن هذا الجمع هو جمع العارفين العالمين من المؤمنين.
وقد جمع بينهما في
تعبير الخشية، كما قال تعالى:﴿ إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28) فحصر الخشية في
العلماء العارفين بالله.
والخشية أخص من الخوف،
وأدل على المعرفة بالله منه، ولذلك حصرت في العلماء، فهي خوف مقرون بمعرفة، ولهذا
قال a:( أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له) [1]
فالخشية في حقيقتها خوف
مقترن برحمة اقتضاه معرفة العزيز الرحيم، ولذلك قال تعالى:﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً
ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً