أما المواضع الوحيدة
التي ورد فيها التعبير عن الخوف من الله، ففي قوله تعالى عن
إبليس:﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ
لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (الحشر:16) وخوف إبليس يدعوه إلى الهروب من ربه لا
إلى الفرار إليه.
وورد مثله في قوله تعالى:﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا
يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (النحل:49 ـ 50)، والآية عامة تشمل المؤمن المستسلم بقلبه وقالبه
للّه، والكافر المستسلم للّه كرهاً، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي
لا يخالف ولا يمانع.
وبما أن الخوف مرحلة
مؤقتة أو حالة مؤقتة، فإن الملائكة ـ عليهم السلام ـ تخاطب المؤمنين العارفين
بالله لتبشرهم وتزيل عن قلبهم المخاوف، قال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ
الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ
الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت:30)
فالخوف إذن حالة سلبية
إذا لم تمزج بمعرفة رحمة الله، بل هو ـ بذلك ـ دليل على الجهل بالله، وطريق إلى
اليأس من الله، ومثل هذا لا يمدح بحال من الأحوال.
ولهذا اتفق
العارفون على أن الخوف ليس مقصودا لذاته، بل هو مقصود لغيره، قصد الوسائل، ولهذا
يزول بزوال المخوف فأهل الجنة لا يخافون، كما قال تعالى:﴿ بَلَى
مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة:112)، وقال
تعالى:﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ
بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران:170)، وقال تعالى:﴿ إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا
هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (المائدة:69)، وقال تعالى:﴿ وَمَا نُرْسِلُ
الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ