ولهذا كانت المحبة
الناشئة من معرفة جمال الله أكمل من الخوف المتعلق بأفعال الله، ولهذا كان الخوف
المحمود الصادق هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله تعالى، فإذا تجاوز ذلك خيف
منه اليأس والقنوط.
وقد قال الغزالي بعد
إيراده النصوص الكثيرة المرغبة في الخوف:( اعلم أن الأخبار في فضل الخوف والرجاء
قد كثرت وربما ينظر الناظر إليها فيعتريه شك في أن الأفضل أيهما) [1]
وقد أجاب على هذا
السؤال بقوله:( وقول القائل الخوف أفضل أم الرجاء سؤال فاسد يضاهي قول القائل
الخبز أفضل أم الماء وجوابه أن يقال الخبز أفضل للجائع والماء أفضل للعطشان، فإن
اجتمعا نظر إلى الأغلب، فإن كان الجوع أغلب فالخبز أفضل وإن كان العطش أغلب فالماء
أفضل، وإن استويا فهما متساويان) [2]
وبعد بيانه لمنفعة
الخوف لأكثر الخلق بين أن الأساس الذي يبنى عليه الرجاء أكمل من الأساس الذي يبنى
عليه الخوف، قال:( وإن نظر إلى مطلع الخوف والرجاء، فالرجاء أفضل لأنه مستقى من
بحر الرحمة، ومستقى الخوف من بحر الغضب، ومن لاحظ من صفات الله تعالى ما يقتضي
اللطف والرحمة كانت المحبة عليه أغلب، وليس وراء المحبة مقام، وأما الخوف فمستنده
الالتفات إلى الصفات التي تقتضي العنف، فلا تمازجه المحبة ممازجتها للرجاء)
بل إن الرجاء لا يقل عن
الخوف في تأثيره السلوكي، ولهذا غلب الله تعالى الرجاء عل الخوف في قوله تعالى:﴿ وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ﴾ (لأعراف: 56)