فهذان الحديثان
يشيران إلى أن هؤلاء لكثرة ذنوبهم تكاد النار تطحنهم طحنا، لينشأوا في الجنة نشأة
أخرى بفطرة أطهر وأطيب.
* * *
قد يقال بعد هذا:
فلماذا كان هذا الجزاء مختصا بالتوحيد، أوليس من الكفار من هو أحسن خلق، وأكثر
عدلا من بعض هؤلاء الموحدين؟
والجواب عن ذلك ما عرفنا في الفصول الماضية
من أن السر في خلق الإنسان هو تحقيق العبودية لله، وأعلى درجات هذه العبودية هو
التسليم التام لله، وأصحاب هذه العبودية هم أصحاب الرحمة الخالصة التي لم يشبها أي
منغص.
وأدنى درجات هذه العبودية هو الإقرار بالله
وبتوحيده، وهو بتعبير العصر الحد الأدنى الذي ينجو به صاحبه من الخلود في عذاب
الله.
وسر ذلك أن الشر ـ كما ذكرنا سابقا ـ هو
أعظم تخريب لبنيان الكون، كما قال تعالى إنكارا على من زعم أن له ولداً ـ تعالى
وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً ـ:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ
وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ
وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ﴾ (مريم:88 ـ 93)
فكل حرف في هذه
الآيات ينطق بخطر الشرك، وبعظم جرمه، فلذلك إن انتفى الشرك كان الأمر أيسر، وكانت
الرحمة أقرب، مع أن ذلك لا ينفي ضرورة التطهير والتطييب الذي يؤهل لدخول الجنة.
* * *
قد يقال بعد هذا:
فإن كان الغرض مما نسميه عقابا هو التطهير، وأن الجنة لا يدخلها إلا الطيبون، فما
القول فيما تواتر في النصوص من أن الله تعالى يأذن بالشفاعة