والأوساخ التي
تنافي الفطرة التي فطروا عليها، والغاية التي خلقوا من أجلها، فلذلك هيأ لهم الله
تعالى بعلمه وحكمته ( من الأدوية الابتلاء والامتحان بحسب تلك الأدواء التي قامت
بهم، فإن وفت بالخلاص منها في هذه الدار، وإلا ففي البرزخ، فإن وفى بالخلاص وإلا
ففي موقف القيامة وأهوالها ما يخلصهم من تلك البقية، فإن وفى بها، وإلا فلا بد من
المداواة بالدواء الأعظم، وآخر الطب الكي فيدخلون كير التمحيص والتخليص، حتى إذا
هذبوا ولم يبق للدواء فائدة أخرجوا من مارستان المرضى إلى دار أهل العافية)
ومن البشر من لم
يستجيبوا للرسل ـ عليهم السلام ـ وخرجوا عن الفطرة، ولم يرجعوا إليها، واستحكم
فسادها أتم استحكام، فهؤلاء لا تفي جميع البلايا التي يمرون بها من مصائب الموت
وما بعده وأهوال القيامة وما بعده من تطهيرهم من أوساخهم،ومما لحق فطرهم، فلذلك
بحكمة العليم الحكيم أن يجاور بهم الطيبين في دارهم.
وفي نفس الوقت لم
يخلقهم الله للفناء، فلذلك تقتضي رحمة الله المقرونة بحكمته أن يعالجوا في دار
الابتلاء والامتحان، فيتركون فيها الآباد الطويلة إلى أن يزول ما فيهم من درن
الكفر والشرك.
بل إن النار
والعذاب في الحقيقة ليس إلا صورا متشكلة من أعمالهم وذنوبهم، كما قال a في الحديث القدسي:( يا
عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد اللّه،
ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) [1]، فلذلك يستمر عذابهم قدر ما يبقى معهم من حقائق تلك
الأعمال وما تولد منهما، فما دامت موجبات العذاب باقية فالعذاب باق.