قد يقال هنا:
فالعذاب إذن لن يفارقهم، ولن يفارقوه لأن فطرهم أصبحت شرا محضا، والشر المحض
يستحيل أن يتحول إلى خير محض، وإلا انقلبت حقائق الأشياء.
والجواب عن هذا: إن
الشر المحض يستحيل وجوده في هذا الكون لأن كل ما نتوهمه أو نراه من شر قد يكون
خيرا متلبسا بصورة شر، أو شرا انحرف عن مساره مع بقاء أصل الخيرية فيه.
ولهذا خلق الله
تعالى ما نراه من الدواب الشريرة، أوالأفعال التي هي شر لما يترتب على خلقها من
الخير المحبوب ( فلم يخلق لمجرد الشر الذي لا يستلزم خيرا بوجه ما)
فالخير هو المقصود
من الخلق، والشر إنما قصد قصد الوسائل والمبادئ لا قصد الغايات والنهايات، فإذا
حصلت الغاية المقصودة بخلقه بطل وزال، كما تبطل الوسائل عند الانتهاء إلى غاياتها
كما هو معلوم بالحس والعقل.
وبناء على هذا، فإن
العذاب شر وله غاية تطلب به، وهو وسيلة إليها، فإذا حصلت غايته انتفى وجوده
وارتفعت الحاجة إليه.
وانطلاقا من هذا،
فإن هذه الفطر مع انحرافها الشديد، يمكن أن تعود بالعلاج الشديد إلى أصل الفطرة،
فالفطرة لم تذهب بالكلية، وإنما أصابها مرض عضال قد يؤثر في علاجه ما ينزل على
صاحبها من أنواع البلاء.
وقد ورد في النصوص
ما يدل على تأثير البلاء في تطهير الفطرة وتقويمها، كما قال تعالى:﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى
دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (السجدة:21)،
فأخبر تعالى أنه يعذبهم رحمة بهم ليردهم العذاب إليه كما يعذب الأب الشفيق ولده
إذا فر منه إلى عدوه ليرجع إلى بره وكرامته.
وبين الله تعالى
سنته في ذلك بقوله تعالى:﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ