انطلاقا
من المنهج الذي تبناه صدر الدين الشيرازي في التعامل مع القضايا العقدية والفلسفية
المختلفة، والذي يطلق عليه (الحكمة المتعالية)، فقد حاول في هذا المحل أن يوفق بين
ما ورد في العشرات من الآيات القرآنية من الإخبار عن الخلود في جهنم[1]، وبين الأصول العقلية التي
تبناها، والدالة على عدم إمكان دوام العذاب على أحد، فلذلك ذهب إلى القول بالخلود النوعي،
حيث قال: (وعندنا أيضاً أصول دالة على أن الجحيم وآلامها وشرورها دائمة بأهلها، كما
أن الجنة ونعيمها وخيراتها دائمة بأهلها، إلّا أن الدوام لكل منهما على معنى آخر) [2]
وقال
في موضع آخر: (فان قلت: هذه الأقوال الدالة على انقطاع العذاب عن أهل النار ـ وهي الأقوال
التي نقلها عن ابن عربي والقيصري ـ ينافي ماذكرته سابقاً من دوام الآلام عليهم،
قلنا : لا نسلم المنافاة، إذ لا منافاة بين عدم انقطاع العذاب عن أهل النار أبداً،
وبين انقطاعه عن كل واحد منهم في وقت)
ومن
الأدلة التي استند اليها صدر المتألهين في إثبات الخلود النوعي وانكار الخلود الشخصي
ما يلي:
منافاة العذاب الأبدي مع الإيجاد والعلية:
حيث
ذكر أن (في تعذيب الله بعض عباده عذاباً أبداً إشكالاً عظيماً، خصوصاً عند القائلين
بالتحسين والتقبيح العقليين، فان الله خالق العباد وموجدهم ومبدئهم ومعيدهم، وشأن العلة
الفاعلة الافاضة والايجاد على معلولها، إذ ليس المعلول إلا رشحة من
[1] استفدنا في هذا المطلب خصوصا
من تحقيقات مهمة في كتاب (الخلود في جهنّم) لمحمد عبد الخالق كاظم، نشر المركز العالمي
للدّراسات الإسلامية..