وجودها لتعلموا أن ما أصابكم
لم يكن ليخطئكم وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، فلا تيأسوا على ما فاتكم ولا تفخروا
على الناس بما أنعم اللّه به عليكم، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا بكدكم، وإنما هو عن
قدر اللّه ورزقه لكم.
فكلا الأمرين مما ذكرته
الآية الكريمة يحول بين الإنسان والعمل الصالح الجاد، فالأول هو الوهن الذي يسببه
تحمل جميع أثقال الماضي، والثاني هو البطر الذي يسببه الفرح بالحاضر، والإيمان
بالقدر يقي من كليهما.
فإذا وقي الإنسان من
كليهما توجه بكليته للعمل الجاد المثمر الذي أتيح له التحكم فيه.
ولذلك، فإن الذين
ينكرون على المؤمنين ما طبعوا عليه من تسليم الأمر لله في مثل هذا لا يفعلون شيئا
في الحقيقة سوى رميهم في أتون الإحباط أو البطر الذي يجعلهم مستعبدين لذواتهم
بعيدين عن ربهم، ومن ثم بعيدين عن كل عمل إيجابي.
أما النوع الثاني، وهو
ما يدخل من التسليم فيما يرتبط بالجوانب الاختيارية، والتي للإنسان فيها الإرادة
المطلقة.. فمرادهم من ذلك المزاوجة والجمع بين الإقبال على العمل بهمة المكتسب
الذي يعتقد تأثير العمل في حصول المطلوب، وبين الاعتقاد بقدر الله، وأن كسب
الإنسان أقصر من أن يحقق نفعا، أو يدفع ضرا.
وقد تقاسم هاتين
النظرتين في التاريخ الإسلامي، بل في تاريخ الأمة الإسلامية من زمنها الطويل
فريقان: العلماء بالحث على السلوك الظاهر، والعارفون بالحث على المشاعر الباطنة.
وقد أشار القرآن الكريم
إلى كلا الفريقين بقوله تعالى:﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ
بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ
وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ