فهذه الآيات جميعا تذكر
أن ورثة الأنبياء هم الأحبار، والرهبان، والمراد بالحبر: المهتم بالنواحي
الشعائرية والطقوسية الظاهرة من العبادات، والمراد بالرهبان: المهتمون بالجوانب
الشعورية الروحية، اشتقاقا من الرهبة التي تعني مخافة الله.
ومن الأخطاء الكبيرة
التي يقع فيها الكثير من الناقدين هي تمييزهم بين النظرتين أو ترجيح إحداهما على
الأخرى، أو أن الانتساب إلى إحداهما يلغي الانتساب إلى أخرى.
مع أن كلا النظرتين
تكمل الأخرى، وتؤيدها، بل لا يكمل أحدهما إلا بالآخر.
وسنحاول انطلاقا من هذا
أن نجمع بين النظرة السلوكية والنظرة الوجدانية فيما يتعلق بهذا الجانب، جمعا بين
النصوص من جهة، وجمعا بين أقوال العلماء من جهة أخرى في ناحية من النواحي السلوكية
المهمة، وهو الدعاء.
فالأدب مع النصوص
الواردة في الأمر بالدعاء، والأدب مع النصوص الواردة في القضاء والقدر يستدعي
التسليم لهما جميعا، فلا يقتضي الأدب مع القدر تجاهل الدعاء، ولا يقضي التعرف على
سببية الدعاء تجاهل القدر.
وقد تحقق هذا المعنى في
منتهى كماله في رسول الله a فقد كان يعطي لكل مقام
حقه من العبودية، ولعل أدل مثال على ذلك ما وقع منه في غزوة بدر، فقد أراه الله
مصارع المشركين حتى أنه أخذ يريها للصحابة[1].. ومع ذلك لم يكف a من الإلحاح على ربه في
الدعاء، عن علي قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا
إلا نائم إلا رسول اللّه a