أما السؤال المشهور،
والناتج من عدم قدرة الوهم على الجمع بين القدر السابق، وتأثير الدعاء اللاحق، وهو
( أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع، وان لم
يكن قد قدر لم يقع سواء سأله العبد أو لم يسأله)[1]، فقد اختلفت الإجابة عليه، وسنذكر بعضها مطبقين ما سبق ذكره لمحاولة
التوصل إلى وجه الحق في المسألة:
فمن الآراء في المسألة
من غلب التوحيد، ونفى سببية الدعاء، بل نفى الدعاء مطلقا، ومنشأ هذا الوهم هو عدم
إدراك أصحاب هذا الرأي لحقيقة سببية الدعاء.
فالدعاء سبب من
الأسباب، لا يختلف عن سائر الأسباب التي يمارسها كل البشر في جميع الأحوال، قال
ابن القيم في الرد عليهم:( وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون، فإن اطرد مذهبهم
لوجب تعطيل جميع الأسباب، فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدرا لك فلا لا بد
من وقوعها أكلت أو لم تأكل، وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل.. فهل يقال هذا
عاقل أو آدمي، بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الاسباب التي بها قوامه وحياته،
فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالانعام بل هم أضل سبيلا) [2]
وذهب آخرون إلى اعتبار
الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض الذي يطلب به العبد مجرد الثواب من غير أن
يكون له أي تأثير في تحقيق المطلوب، ولا فرق عند هؤلاء بين الدعاء والامساك عنه
بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب.
بل إن ارتباط الدعاء
عند هؤلاء بتحقيق المطلوب كارتباط السكوت، لا فرق بينهما.
وهذا الرأي يتناقض مع
ما صرحت به النصوص من جعل الله تعالى الدعاء سببا في تحقيق المطالب، بل هو يتناقض
أصلا مع تشريع الدعاء، بل يعتبر قوله تعالى:﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ