وعن عوف بن
مالك قال: كنّا عند رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم تسعة أو
ثمانية أو سبعة. فقال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد
بايعناك يا رسول اللّه ثمّ قال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) فقلنا: قد بايعناك يا
رسول اللّه. ثمّ قال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد
بايعناك يا رسول اللّه! فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به
شيئا، الصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة)، ولا تسألوا النّاس شيئا، فلقد
رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إيّاه)[2]
قلنا: فلم
تشددت الشريعة مع المتسولين هذا التشدد؟
قال
الماوردي: لأن المتسول لا ينفكّ عن ثلاثة أمور محرّمة:
أولها: إظهار
الشّكوى من اللّه تعالى، إذ السّؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة اللّه تعالى عنه
وهو عين الشّكوى.
والثّاني:
أنّ فيه إذلال السّائل نفسه لغير اللّه تعالى، وليس للمؤمن أن يذلّ نفسه لغير
اللّه، بل عليه أن يذلّ نفسه لمولاه، فإنّ فيه عزّه.. فأمّا سائر الخلق فإنّهم
عباد أمثاله، فلا ينبغي أن يذلّ لهم إلّا لضرورة، وفي السّؤال ذلّ للسّائل
بالإضافة إلى إيذاء المسئول.
والثّالث:
أنّه لا ينفكّ عن إيذاء المسئول غالبا، لأنّه ربّما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب
قلب منه، فإن بذل حياء من السّائل، أو رياء فهو حرام على الآخذ، وإن منع ربّما
استحيا وتأذّى في نفسه بالمنع، إذ يرى نفسه في صورة البخلاء، ففي البذل نقصان ماله،
وفي المنع نقصان جاهه، وكلاهما مؤذيان، والسّائل هو السّبب في الإيذاء، والإيذاء
حرام إلّا