وهذا العهد الذي
قطعته الأرض والسماء على نفسيهما بطاعة الله يتحد مع العهد الذي قطع على بني آدم
وهم في عالم الذر إلا أن الفرق الوحيد والجليل بينهما هو أن الإنسان ينسى ويبتلى
بنسيانه، أما غيره من المخلوقات فلا تنسى أبدا الفطرة التي فطرت عليها، قال تعالى
:﴿ وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾(الأعراف:172)
والجمع بين الإنسان
الكائن الحي العاقل مع الأرض والسماء التي نراها جامدة لا روح فيها ولا عقل يشير
إلى النظرة القرآنية للأرض والسماء وكل شيء، وهو أن الحياة تدب فيها جميعا، الحياة
التي لا ندركها نحن لأننا من عالم مختلف ومن جنس مغاير.
ومن أنانية
البشرية حصرها صورة الحياة في مظاهر الحياة التي تراها، والتي لا تعدو في معظمها
تأمين التركيب الحي من الاختلال، فالأكسوجين والماء والكربون وغيرها من التركيبات
والعناصر لا يعدو دورها حفظ التركيب وإمداده بطاقة الحياة التي نتصورها ونقصر
الحياة عليها، ولهذا يذكر القرآن الكريم عن الأرض تسبيحها الدائم لله، والتسبيح لا
يصدر إلا من حي عاقل، قال تعالى :﴿ سَبَّحَ
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(الصف:1)
وقد وردت هذه
الآية في افتتاح ثلاث سور قرآنية هي الصف والحشر والحديد مع حذف ما الموصولة عن
الأرض في سورة الحديد.