وهذه الحيرة التي
سببها الإدمان على الزينة الكاذبة تجعل على بصره غشاوة تحول بينه وبين اللجوء إلى
الحق الذي يبصره ويعرفه وتكاد فطرته المخبأة في سراديب وجوده تلمسه، ولكن
التزيينات الكثيرة المتناقضة تحول بينها وبين الإمساك به، قال تعالى :﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ
لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ (العنكبوت:38)، فهم مستبصرون بالحق مبصرون
له، ولكن التزيينات الشيطانية التي ألفتها قلويهم جعلتهم مكتوفي الأيدي محاصرين
بالأهواء لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا.
ولهذا يشبه الله
تعالى أمثال هؤلاء بالسائر في الظلمات التي لا تعدو ظلمات التزيينات الكثيرة
المتناقضة التي تحجب الرؤية عن البصر والبصيرة، بخلاف المؤمن الذي يهتدي بصقل مرآة
قلبه عن أي التفاتة تحول بين بصيرته وبين رؤية الدروب الصعبة التي تتحرك فيها
روحه.
فلذلك كان المؤمن
هو الحي الحقيقي الذي يرى نفسه وغيره بينما حياة أولئك الفارين عن أنفسهم
المشغولين بصنوف التزيينات موت في صورة حياة، قال تعالى :﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ
وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي
الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام:122)