والقرآن الكريم ذم
الكثرة ومدحها، ودعا إليها ونهى عنها، وجعلها من نعم الله على عباده، وجعلها من
نقمه عليهم، ونهى عن الفرح بها وأمر بحمد الله عليها.
وكل ذلك في تناسق
عجيب لا تناقض فيه ولا اختلاف فإنه:﴿ لَا
يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ
حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾(فصلت:42)
وقد ورد هذا اللفظ
في القرآن الكريم بمشتقاته المختلفة مائة وستة وسبعين مرة، وأكثر ما ورد فيه من
هذا اللفظ جاء في مواضع ذم.
ومن العجيب أن
يرتبط اسم سورتين من السور القصار باسم الكثرة، وأن تذم وتتوعد إحداهما على الكثرة
المذمومة، وأن تبشر الثانية بالكثرة المحمودة، وأن ينهى في الأولى عن التيه بتلك
الكثرة، وأن يؤمر في الثانية بحمدها، هما على طرفي نقيض في كل شيء حتى في البناء
الصرفي الذي تكون منه كلا اسميهما.
أما السورة الأولى
فسميت بسورة التكاثر وهو ـ كما يعرفه البيضاوي ـ التباهي بالكثرة، والتباهي
بالكثرة لا يعني الكثرة، لأن التباهي أمر نسبي في كل ما يرتبط به لخضوعه لاعتبارات
المتباهى به والمتباهى عليه وزمن التباهي وظروف المتباهين واعتبارات أخرى كثيرة لا
يمكن حصرها.
بينما سميت
الثانية بسورة الكوثر وهو فوعل من الكثرة وصف به للمبالغة في الكثرة، مثل النوفل
من النفل، والجوهر من الجهر،والعرب تسمي كل شيء