وانطلاقا من
اختلاف الاسم يبدأ اختلاف المضمون، وسنحاول أن نجري مقارنة بين كلا الكثرتين
الواردة في السورتين لنفرح بالمحمودة ونحمد الله عليها، ولا نغتر بالمذمومة ونعوذ
بالله منها.
في سورة التكاثر
يبدأ الإخبار الدال على الذم بقوله تعالى :﴿ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ﴾ (التكاثر:1) والإلهاء هو الاشتغال بما لا
يعني، وهو من عمل النفوس الضعيفة التي تقع عاجزة أمام متطلبات رغباتها، فلذلك تقبل
إقبالا كليا عليها وفي حرص شديد، وقد تترك أثناء ذلك التلهي وذلك الحرص مصالحها
العاجلة والآجلة، وقد لا تلتفت إلى النقائص الكثيرة للأشياء التي تشتغل بعدها
وإحصائها والمباهاة بها عن النظر في قيمتها وجدواها.
بينما تبدأ سورة
الكوثر بضمير المتكلم المؤكد بـ ( إنا )،وهو ضمير يعود على الله تعالى، فالكثرة
التي تتحدث عنها هذه السورة كثرة ربانية لا كثرة نفسية، وكل ما هو رباني في منتهى
الجمال والحسن والكمال، وليس في الإمكان وجود ما هو أحسن منه، لأن ذلك يقتضي موجدا
آخر، وهو مستحيل.
وهي جملة إسمية
مؤكدة لتفيد ثبوت معناها ودوامه واستمراره، بخلاف استهلال سورة التكاثر بالجملة
الفعلية المرتبطة بالزمن الماضي، فالإلهاء مهما امتد زمنه سيفنى وسيتحول إلى حدث
ماض لا تغني فرحته، ولا تذكر نشوته.