وبعد الاستهلال
يأتي موضوع التكاثر والكوثر، وفي القرآن الكريم حديث مستفيض عن كليهما:
وأول تصحيح لمفهوم
الكثرة نجده في قوله تعالى :﴿ قُلْ لَا
يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(المائدة:100)
فهذه الآية تضع
الميزان الصحيح لتقييم الأشياء، فليس هو بالعدد وإنما هو بالنوع، وليس هو بالكم
ولكنه بالكيف، فالخبيث ـ وهو في لسان الشرع كل نجس و منكر وقبيح ـ لا يمكن أن
يتساوى مع الطيب، ولو كثر الخبيث، بل إن كثرته لا تزيده إلا قبحا ودمامة وخبثا.
والإعجاب الناشئ
من كثرة الخبيث إعجاب نفسي ينقلب تعجبا بأول نظر عقلي يزن الأشياء بموازينها
الصحيحة، ولهذا جاء الخطاب في الآية لأولي الألباب أصحاب الحقائق لا القشور.
وقد بين القرآن
الكريم علة انهزام الصحابة أول غزوة حنين، وهو الإعجاب بالكثرة والفرح بها والتلهي
عن أسباب النصر الحقيقية، قال تعالى :﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ
شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
مُدْبِرِينَ﴾(التوبة:25)
ولهذا لم ينتصر في
هذه المعركة كما تروي كتب السيرة إلا القلة مع رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بثباتهم،
ليجني غيرهم ثمرات انتصارهم، ويعلموا أن الله تعالى هو